كن من أهل الجنة
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نزل، ونوع لهم الأعمال الصالحة ليتخذوا منها إلى تلك الجنات سبلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي شمر للحاق بالرفيق الأعلى والوصول إلى جنات المأوى ولم يتخذ سواها شغلا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تتابع القطر والندى وسلم تسليما.
وبعد
ما أجمل الحديث عندما يكون عن الجنة .
وما أدراكم ما الجنة ، الجنة دار المتقين مهوى أفئدة عباد الله الصالحين، الجنة مطمع كل صالح من عباد الله ، الجنة فوق ما يخطر بالبال ،((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)):[1] .
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة: ((قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)).
ومن فضل الله عز وجل ورحمته أن جلَّى لنا أمر الجنة، ووصف نعيمها، وأكَّد خلودها وكمالها من غير نكد ولا تنغيص ولا نقص، لا حر ولا برد، لا تعب ولا صخب ولا نصب، لا عجز ولا هرم. غمسة في الجنة تنسي كل شقاء في هذه الحياة، ثم أظهر سبحانه في الجانب الآخر حقيقة النار وعذابها؛ لهيب يتصاعد، وصراخ مفزع وخوف وحميم وزقوم وتقريع وتوبيخ وأهوال وشهيق وزفير، غمسة فيها تنسى كل نعيم في هذه الحياة، نسأل الله أن يجير هذه الوجوه، ذلك كله لماذا يا عباد الله؟ ليسعى المؤمنون إلى الجنة بلهفة وشوق مشرئبين إلى نعيمها ورياضها وقصورها، ذلك كله -أيضًا- لينأى الخلق عن النار بحذر وخوف، كل ذلك (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) كل ذلك (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)..
الجنة دار خلقها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ،ووصف نعيمها بالفوز العظيم ،وملكها بالملك الكبير ،وأودعها الخير بحذافيرها ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .فتبًّا لنفوسٍ لا تشتاق إليها ، ولا تتشوَّق لرؤيتها ، ولا تعمل لدخولها !
وبعدًا لقلوبٍ لا تحنُّ لذكرها ، ولا تئنُّ مناللهفة لها !
إن الجنة هي سلعة الله الغالية التي تحتاج إلى سعي وعمل، وبدون السعي والعمل يصبح طلب الجنة جنون وعبث، يقول سبحانه: ((وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا)) [2].
فلا جنة إلا بسعي لها، يقول يحيى بن معاذ كما في صفة الصفوة: "عمل كالسراب وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمل والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب! هيهات أنت سكران بغير شراب".
لذا وجب علينا أن نعمل للجنة، وأن نعلم أن ملذات الحياة الدنيا ينبغي أن لا تلهينا عن الملذات الباقية في الآخرة، وليعلم كل مُنعَّم ومترف ولاهٍ وعابث أن عذاب الآخرة إذا تعرض له سوف ينسيه كل هذا الترف والنعيم، وليعلم كل فقير أو معوز أو بائس أن نعيم الجنة إن كان من أهلها سوف ينسيه كل هذا البؤس، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أنس: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدّة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بى بؤس قط، ولا رأيت شدة قط))، فهل يستحق نعيم هذه قيمته أن نعصي الله من أجله؟! هل تستحق حياة تنسى بغمسة في جهنم أن نضحي بديننا من أجلها؟! ومن رحمة الله علينا أن دلنا على أعمال تكون سبب في دخول الجنة ومنها -لا تغضب ولك الجنة:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دلني على عمل يدخلني الى الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تغضب ولك الجنة )
-أهل الجنة ثلاثة:
عَنْ عِيَاضِ بن حِمار رضي اللَّهُ عَنْهْ قالَ : سمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : (أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ : ذُو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقيقٌ القَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ )[3].
-إسباغ الوضوء والدعاء بعده بالمأثور:
عنْ عُمَر بْنِ الخَطَّابِ رضي اللَّه عَنْهُ عنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : ( ما مِنْكُمْ مِنْ أَحدٍ يتوضَّأُ فَيُبْلِغُ * أَو فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ * ثُمَّ قَالَ : أَشْهدُ أَنْ لا إِله إِلاَّ اللَّه وحْدَه لا شَريكَ لهُ، وأَشْهدُ أَنَّ مُحمَّدًا عبْدُهُ وَرسُولُه ، إِلاَّ فُتِحَت لَهُ أَبْوابُ الجنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّها شاءَ)[4].
وزاد الترمذي : « اللَّهُمَّ اجْعلْني من التَّوَّابِينَ واجْعلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ » . حب سورةالإخلاص:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رجل من الأنصاريؤمهم في مسجدقباء،فكان كلماافتتح سورةيقرأبها لهم في الصلاةممايقرأ به،افتتح بـ } قل هوالله أحد { حتى يفرغ منها ثم يقرأسورةأخرىمعها فكان يصنع ذلك في كل ركعة،فكلمه أصحابه،فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة،ثم لاتدري أنهاتجزؤك حتى تقرأبأخرى،فإماأن تقرأبهاوإماأ ن تدعها،وتقرأبأخرى؟
فقال : ماأنابتاركها،إن أحببتم أن أؤمّكم بذلك فعلت،وإن كرهتم تركتكم،وكانوايرون أنه من أفضلهم،فكرهواأن يؤمهم غيره،فلماأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر،فقال :"
يا فلا ن مايمنعك أن تفعل مايأمرك به أصحابك؟ومايحملك على لزوم هذه السورةكل ركعة؟ " قال : إني أحبها . قال :" حبك إياهاأدخلك الجنة؟ ".[5]
-الإحسان الى الناس:
-عن أبي هريرةرضي الله عنه : أن رجلاقال : يارسول الله،إن فلانةذكرمن كثرةصلاتهاوصيامها،غيرأنهاتؤذي جيرانهابلسانها . قال : (هي في النار.قال : إن فلانة ذكرمن قلة صلاتهاوصيامهاوإنهاماتصدقت بأثوارقط،غيرأنها لاتؤذي جيرانها . قال : هي في الجنة .)[6]
الصبر يا أهل البلاء:
عن عطاءبن أبيرباح قال : قال ابن عباس رضي الله عنهما : ألاأريك امرأةمن أهل الجنةقلت : بلى،قال : هذه المرأةالسوداء : أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع،وإني أتكشف،فادع الله لي،قال : إن شئت صبرت فلك الجنة،وإن شئت دعوت الله أن يعافيك . قالت أصبر . قالت : إني أتكشف فادع الله لي أن لاأتكشف،فدعالها .
وعن أبي هريرةرضي الله عنه،قال : جاءت امرأةإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها لمم،فقالت : يارسول الله،أدع ا لله أن يشفيني،قال :" إن شئت دعوت الله لك فشفاك،وإن شئت صبرت ولاحساب عليك ". فقالت : بل أصبرولاحساب عليّ( [9]
وعن ابن عباس رضي الله عنهماقال : قا ل رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى : إذاأخذت كريمتي عبدي فصبرواحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة[10] ".
وعَنْ أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : (إنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبدِي بحبيبتَيْهِ فَصبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجنَّةَ )[11] يُريدُ عينيْه.
وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضي اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه )[12].
اللهم إنا نسألك الحنة وما قرّب اليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرّب اليها من قول وعمل
أسأل الكريم الوهاب الغفور الوهاب أن يجعلنا من أولياءه ،وأصفياءه ،وأحبابه الذين يدخلهم دار كرامته ،الجنة إنه وليّ ذلك والقادر عليه
[1]- الكهف 107، 108-
[2] -الإسراء:19
[3] - رواهُ مسلم
[4] - رواه مسلم
[5] - رواه البخاري تعليقا298 / 2 كتابالأذان،باب الجمع بين السورتين في الركعةوالقراءة بالخواتيم
[6] - ابن حبان في صحيحه ( 2054)
[7] - البخاري في الصحيح ) 5662 ) 119 / 10 كتاب المرض،باب فضل من يصرعمن الريح . ومسلم في(. 2576 ) 1994 / 4 / 1
[8] - البخاري في الأدب المفردص 35
[9] - البخاري في الأدب المفردص148 .
[10] - أبويعلى في مسنده ) ) 2365 ، ابن حبان ( 705ـ ورواه الطبراني في الأوسط( 587 ) 348 / 1
[11] - رواه البخاريُّ
[12] - متفقٌ عليه